Sunday, 18 February 2007

شكرا" لكِ

جاءت كلماتُها مشاهبةً لوصيةِ أُستاذي الفاضل الأخصائي في مدينة الطب في اخرِ ليلةٍ لي في بغداد (حظا" طيبا" ولكن لا تنسَ وطنك, أياكَ ان تكرهَهُ يوما" أو تنكر فضله ). تسألت حينها عمَ يتحثُ هذا الرجل, ألم يملَ بعد , انا ذاهبٌ لأنسى ..ذاهبٌ الى غير عودة .
اما الان فأنا أتفهم هذه الكلمات ,هي تنبعُ من حبٍ لا حدودَ لهُ و عن وعيٍ وبصيرة , هي تنم عن خبرة في الحياة ولربما اني احتاجُ زمنا" لأكتسب هذه الخبرة .

التقيتُها بعد أن تغيرَ ما كنتُ أقول وبعدَ أن أصبح مافي بلدي هو جلُ همِي , لم يكن لقائي بها محضَ صدفة ,إذ أنَ الفضول واحدٌ من اقوى الغرائز وهو ما كان يقودني , كنتُ مستعدا" لرؤيتها وليس للتحدثِ معها , كنتُ أريد أن اتأكد من صحةِ تخميني واذا ما كانت الصورةُ التي قد رسمتُ لها في مخيلتي صحيحةً أم لا.
أتضحَ لي فيما بعد أن حدسي لم يخني, فالصورةُ مشابهةٌ لفرشته , عمرهما متقارب مع اختلافٍ طفيفٍ في الشكل والقوام وتشابهٍ في الهيئة والفكر العام.

لم يكن فضولي ناجمٌ عن فراغ , كان هنالك أمرٌ غريب اردتُ أن افهمهُ , مالذي يدفعُ امرأةً لتقديم المساعدة لشابٍ لا تعرفهُ ولا يهمها أن تلتقيهِ حتى ؟ لمَ تضيعُ وقتها في حل مشاكله وتذليل الصعوبات امامه وهي لن تحصلَ حتى على كلمات الشكر ؟!!

ولكن عندما حدثتها تبين لي الأمر :

تعودتُ ان لا يتجاوزَ حواري مع الشخص خمسٌ الى عشرِ دقائقٍ لأعرفَ توجهاتهِ المذهبية أو الطائفية ,خصوصا" أننا في زمنٍ بات فيه هذا الامرُ جليا", ولكني واجهتُ هذه المرة السهلَ الممتنع , تحدثت عن العراق وعن العراقِ فحسب , تحدثت عن الناس , كان حديثها كما لو كانت أُما" تدافعُ عن ابنها وليست إمرأة" تتحدثُ عن شعبٍ كامل .

كنتُ أنتظرُ أن تخبرني عن نجاحاتها وكيفَ انها بارعةٌ في مجال اختصاصها وأنها فاقت كلَ زملائها , انتظرتُ أن تقصَ عليَ كيف أنها كافحت وعانت لشقِ طريقها وكيف أن من واجبي أن احذو حذوها .
هذا ما تعودتُ أن اسمعهُ من الناسِ هنا , أما منها فلم اسمع سوى كلاما" عن البلد , بلدٌ باتت بعيدةً عنهُ لزمنٍ طويل!! ولكن قبل أن انبهها لهذا الامر بادرت هي بالحديثِ عنه (ربما لو كنتُ هناك لكانت نظرتي للأمور مختلفه , من واجبي أن اقدرَ هذا الامر) فصمتُ أنا وبقيت منصتا",لم يدم اللقاء طويلا" ولكنه منحني الكثير.

من مفارقاتِ القدر أنَ معظمُ الذين أبدوا مساعدتهم لي في هذا البلد هم من النساء ..النساءُ العراقيات ,فمن دعم فرشته لي واسداءهاالنصح المستمر الى ظهورِ هذه السيدةُ وابداء مساعدتها الى مساهماتٍ أخرى من نساءٍ اخريات يجتمعن كلهن على أمرٍ واحدٍٍ هو حب العراق ومحاولة مساعدة ابنائهِ بشتى الوسائل,يجعلني هذا أشعر بأني تلميذٌ في مدرسةِ هؤلاء النسوة يفتحُ هذا الامرالباب على موضوعٍ هامٍ أشعر بالمسؤولية تجاهه ؛هذا الموضوع هو : المرأةُ العراقية .

شاهدتُ تقريرا" يتحدثُ عن النساء العراقيات , يحاولُ التقرير أن يقول أن ظروف العراق قد دفعت نساءهُ لبيعِ أنفسهن في البلدان الاخرى وانهن يضطررن للتفريطِ بشرفهن لكسب لقمة العيش .
لستُ هنا في صدد تكذيب الخبر ففي كل بلدٍ هنالك بائعاتُ هوى وأيُ بلدٍ يمرُ بظروفٍ كالتي مر ويمرُ بها العراق يواجهُ محنةً على الصعيد الخلقي وهذا واردٌ جدا"ولن أرهقَ نفسي بالنزول الى مستوى من يحاول الأساءة للعراق وأهله بهذا الاسلوب إِذ أن نباح الكلاب لن يؤثر في السحاب ونساؤنا أعلى من السحاب.

لكن من واجبي أن اقول أن هذا التقرير ناقصٌ وينظرُ من زاويةٍ ضيقة لعددٍ محدود ويترك الأغلبية .
يتناسى هذا التقرير الاف العراقيات الواتي لا زلن يكافحن لأجلِ البقاء , الافٌ فقدوا الزوج والأخ وثكلوا الولد وأستمروا يربون من بقي ليخرجوا جيلا" جديدا" يخلقُ لنا الأمل , الافٌ تحملوا جور الزمن وظلمَ المجتمع ولم يتوقفوا ابدا", الافٌ تحملوا مسؤوليةِ عوائلهم وباتوا هم مصدر الرزق رغم صغرِ سنهم ,يتناسى الافا" هاجروا وأثبتوا براعةًلا مثيل لها, لم يكلوا أو يملوا لم ينضب يوما" معينهم ولم يقلً عطائهم .

لقد بقيت نساؤنا دوما" في الظلام تبذلُ قصارى جهدها لتديم الحياة في زمنٍ صعبت فيهِ الحياة , تعطي دون أن تأخذ وتمنح من دون ان تُسأل , تمتازُ نساء العراق بأنهن اقل طائفيةً و عصبيةً من الرجال واكثرُ حكمةً و صبرا" ,تتحملُ المرأة في بلداننا ضغطَ المجتمع ومضايقات الشارع وعنجهيات الفكر السائد ,تدفع الثمن اضعافا" إذا أخطأت ولا يحاسب الرجل , تُقتَلُ أذا أتهمت ويوصفُ قاتلها بأحسن الصفات ولا أعلم من الذي أعطاهُ الحق بمقاضاتها ومن الذي اوحى لهُ بأنهُ خيرٌ منها , أسمعُ الكثير من الرجال يتباهون كيف أنهم يفعلون كذا وكذا أذا قلت المرأةُ أدبها أو اساءت التصرف ويجولُ بخاطري أمرٌ واحد عندما أسمعُ احدهم يذكر ذلك : ماذا يجب أن يفعلَ بحقك اذا أسأت انت التصرف؟
يؤسفني أن ارى النساء تأكلُ بعد أن ينهي الرجالُ طعامهم و يؤلمني أن أسمع البعضَ يقول :تصمتُ المرأةُ إذا تحدثَ الرجال. من المشين أن يشكك البعض بكفاءة المرأة وأن تكونَ فرصتها أقل لمجرد أنها إمرأة , وكأن الله قد عاقبها بهذا ويقوم الرجل بتطبيق العقوبة , ما يحزنني ايضا" هو ما ينكرهُ الكثيرون وهو أمكانية الصداقة بين الرجل والمرأة .

إنَ حقوق المرأة ليست هبةً أو صدقةً من الرجل بل هي حقوق أي أن أيَ تقصيرٍ بها هو جريمة لا بد من معاقبة مرتكبها ,اذا كان هنالك حدودٌ على المرأة ان تلتزم بها فهذا يعني أن هنالك حدودا" مشابهة على الرجل أن يقف عندها
لم أرَ يوما" ما يجعلُ الرجلَ أفضل من المرأةِ في شيء وأبسطُ مثالٍ على ما أقول أن الخمسة الاوائل وثمانية من العشرة الاوائل في دفعتي في طب المستنصرية كن فتيات.

لقد سمعتُ قبل فترة عن تصريحٍ لأحدِ العمائم في بريطانيا قالَ فيه (إن الحديث عن المساواة بين الرجل والمرأة هو ليس الا ضربٌ من الحماقة , تبقى المرأةُ ناقصة" ولو نالت الدكتوراه ), على الرغمِ من اشمئزازي منه الا أني اتفقُ مع نصفِ ماقال , فمن الحماقة أن تساوى نساؤنا برجلٍ كهذا , انهُ بالفعلِ اجحافٌ لا ارضاه لنساء العراق .
أن جلَ ما اتمناه أن تفتحَ دوراتٌ تدريبية أو تربوية تعطي فيها النساء في بلدي دروسا" للساسةِ والمعممين فهم بحاجةٍ الى أن يتعلموا كيفية التفكير والتصرف.

ها أنا ذا اشكر هذه المرأة لأنها نبهتني لهذا الموضوع واخذها رمزا" لنساء العراق , يتحدثُ المؤرخون دوما" عن رموزٍ في بلدي , معظم الرموز رجالٌ ,هم قادةٌ فعلا" ولكن أمام معظمهم علاماتُ استفهامٍ كثيرة, يتناسى المؤرخون أن في بلدي رمزا" لا تشوبهُ شائبة و هو بالفعلِ أهلٌ لأن يفتخرَ بهِ على مر العصور , رمزٌ ظلَ شامخا" رغم المعاناة, يمنحني هذا الرمز الأمل بغدٍ اخر ويطمأنني على بلدي فحتى لو بادَ كلُ الرجال هنالك بناةٌ لهذا الوطن..

ها أنا اقوم لأرفع له قبعتي وأنحني ليس للأمل الذي منحني فحسب بل لأنه ذكرني أن لي ما أعتزُ به وأفتخروأُباهي الكونَ بهِ وما ينير حياتي حتى في ليلِ الطائفية الحالك الظلام



لدينا دوما" : المرأة العراقية أما" وأختا" وحبيبة" وصديقة"
شكرا" لها دائما" وأبدا"

8 comments:

3eeraqimedic said...
This comment has been removed by the author.
Anonymous said...

السلام عليكم
لو وجد من امثالك 10 فقط في العراق لكان الحال قد تغير .. ان سبب الفساد هو القيود التي تفرض بدون حق على البنت فكلنا نعلم ان كل ممنوع مرغوب فحين تمنع وتحرم الصداقات الشريفه بين الجنسين قد يولد ذالك الى حصول علاقات في الخفاء وهذا ماقد يؤدي للزلل .. لا تتعجب اذ ترا رجال معممين يقللون من شأن المرأة بل تعجب عندما تسمع نفس هذا الكلام من مثقفين واساتذه جامعين .. هنا في العراق وبعد الحرب .. وخاصة في المناطق الجنوبيه حيث سيطر الجهل عدنا الى القرون الوسطى عندما كان صوت المرأه عوره .. كيف ننتظر ونسعى للتقدم في حين انه اكثر من نصف المجتمع ينظر اليه على اساس انه درجه ثانيه ... شكرا لك على هذا الطرح الرائع وشكرا لموقفك المشرف من الام والاخت والصديقه والحبيبه .. اتمنى لك التقدم ... اختك بنت البصره

Marshmallow26 said...

فعلا موضوع حساس و مهم....دائما المرأة متهمة و مظلومة في مجتمعنا
عجبا شلون يتعامل ذاك العمائمي وية زوجته؟
هل هو فخور بيها اذا نالت دكتوراه بالدين او الفلسفة ام يعيرها على انها ناقصة " من غيرته السودة"؟

a&eiraqi,
You always come up with new and stimulating subjects.

Good job

A&Eiraqi said...

Dear 3mti
as you've said , the woman was astonished, we are worht what our parents convince us we worth.

One of the problems is women (not all of them) in our society are convinced that they're less, either by misleaded reigious ideas or by the social pressure.

Changing this mentality is the key not only for solving this problem but, for solving the biggest problem .

Even if it takes generations we have to do our best to give something to the new generation , so during their time it will be solved.

زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون

Regards

A&Eiraqi said...

Bent Al-Basrah

You're right , the problem is not only with turbans , many educated people believe that women should be backward and shouldn't speak when they do , they consider it shame if she discusses things with them.

Regards

A&Eiraqi said...

Hey Marsh

It's not about PhD only , they convince their women that it's good to beat them , and it's religiuos , so women shoud accept it as slave .


Thanks alot for your words

Bassam Sebti said...

That was a very excellent essay. You are absolutely right. women in our country have done and infact are still doing incredible things to live, work, succeed, help their husbands.

My mother stood beside my father in all the hard times we went through. She helped him in all means.

I think Iraq was able to survive during the Iraq-Iran war because of the women who did their best to keep the society strong since most men were in fighting in the battlefield fighting.

Bests.

Miss Qatar said...

miss iraq

جميل ما كتبت

فحال المرأة الآن شبيه بحالها قبل انتشار الاسلام

واتمنى ان يتغير هذا الحال الى الافضل ان شاء الله