ما يهونُ عليَ الآم الغربة والوحدة القاتلة هو انني أتعلم منها الكثير , كلما ألقي أحداً أُمطِرُ عليهِ وابلَ أسئلتي كما لو كنتُ أُحققُ معهُ للوصول الى حقيقةٍ خافيةٍ عن ذهني.
هذهِ المرة التقيت بفتاتين في مناسبتين مختلفتين: فتاتان لا يجمعهما شيءٌ إلا سوء الحظ و غدرُ الزمان وتسلطُ الجهلاء في ظلِ غياب العقل وسيادة القوة الغبية , في ظاهرمها لا تشتركان بشيء و لكن بعد نقاشٍ قصير لا حظتُ أنهما متشابهنتين كثيراً رغم إختلاف الشكل و اللغة وطريقةِ العيش .
تغريد: شابةٌ يبدو السخطُ واضحاً متى ما تحدثت عن حكام بلادها: حكامٌ بات أسمها مرتبطاً بهم حتى لو لم تشأ, فوطنها من دون الأوطان لا إسمَ لهُ إلا أسمُ حاكيمه و المواطنون فيه (سعوديون) و إن لم ينتموا!!.
قبل أن ألتقي (تغريد) كنتُ قد إلتقيتُ (إلهام) طبيبةٌ شابة لا تقطنُ بعيداً عن (تغريد) هي ببساطة من الضفة الأخرى لخليجٍ يحكمهُ الحمقى و الأغبياء من الجهتين.
كلتاهما عبرت عن إستيائها بإسلوبٍ مختلف و لكن بتشابهٍ في المضمون جعلني أشكُ أنَ إحداهما إلتقت >الأخرى من قبل؛ تسلطُ الحكام و تجبرُ الأتباع والحرمانُ من أبسط الحقوق كان أولُ ما شكوهُ و لم تتوانا في الإسهاب بالحديث و ذكر الكثير من التفاصيل و كأنما كانتا متعطشتين للكلام ومتلهفتين لإخبار البشريةِ جمعاء عما يعانينهُ من جورٍ و ظيم.
تغريد: شابةٌ تكملُ دراساتها العليا ,تتعامل بنحوٍ عالٍ من الذوقِ و الأدب, تعاني الأمرين في بلادها؛ فهي هناك ليست إلا (ناقصةُ عقلٍ غيرُ محتشمة) و من واجب أهلها أن يستحوا منها , لا لسوءٍ في أدبها ولا لما يذمُ في عفتها ولكن لتجاوزها حدود( العقل والمنطق و الآداب العامة) في إمتناعها عن تغطيةِ وجهها إذا خرجت خارج البيت؛ ذكرتلي بألم كيف أن أحمقاً لا يفقهُ من الأمرِ شيئاً هاجمها في مكانٍ عامٍ متهماً إياها بقلة الأدب و إنعدام الأخلاق إذ أنها لم تراعي أنها (فتنةٌ) في عيون الرجال! , كما لو كان الرجالُ كلاباً سائبة تنهشُ كلَ ما ترى و كما لو كانت المرأةٌ طريدةً سهلة يقتنصُها من يشاء!!
لم يكتفِ الفتى بذلك بل طاردها الى سيارتها و هاجم السائق(إذ لا يحقُ لها أن تقود السيارة بنفسها) و تعدى على جدتها المسنة متهماً إياهم جميعاً بالسكوت عن المنكر و التشجيع عليه!!
لم يكن الفتى يتصرفُ من ذاته و لم يكن مجنوناً كما ظننتُ في باديءِ الأمر بل هو ليس إلا موظفٌ في هيئةٍ لم يبادر عالمنا العادل بإعتبارها منظمةٍ إرهابية لأنها لم تبادر لمعادةِ أحدٍ إلا أبناء شعبها , متبجحةً بإسمٍ أبعدُ عما تقوم به (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).
لا يحتاجُ هؤلاءُ القوم للدراسة ولا الى كسب رزقهم فهم أصحابُ مهمةٍ سامية في نظرهم تتمثلُ في ضمان إستقامة المجتمع على خطٍ رسمهُ مجموعةٌ من الجهلاء لينتهي المجتمع كارهاً لنفسهِ و ليضمن الحكام إنشغال الشعب بمشكلة الناس مع هؤلاء فلا يتدخلوا في ما لا شأن لهم به كواردات البلد المنهوبة و سياسات الحكومة الحكومة التي فاحت منها رائحةُ العفن.
إلهام طبيبةٌ لا تفارقُ الإبتسامة الدافئة شفتيها حتى حين تغضب! جاءت الى بريطانيا تبحثُ عن فرصةِ عمل لتعيش بسلام بعيداً عن مضايقات العمائم السوداء؛ أبدت سخطها من سياسات الحكومة الإيرانية و تجبرها على الناس؛ ديمقراطيتهم كاذبة كما تقول و إنتخاباتهم محسومةٌ نتائجها قبل ان تتم فلا يمكن مخالفة ما يراه المرشد الاعلى صحيحاً وفي بعض الأحيان يمنحُ الناس الحق للأختيار بين عمامتين أيهما يفضلون !
نفسُ المعاناة ونفسُ الألم؛ فسادٌ مستشري و عمائمٌ أصحابها إنتفخت كروشهم أما الشعب؛ فلهُ رحمةُ الله التي وسعت كل شيء والكثيرُ من حقن الصبر و الثبات منتظرين جنات الفردوس التي سينالونها لاحقاً إن لم يبادر المرشد الاعلى بتقسيمها بنفسه.
إلهام ترفضُ أن ترتدي غطاء الرأس لأنها ببساطة غير مقتنعةٍ بإرتداءه؛ ولكن قناعتها لا قيمةَ لها فهو أمرٌ مفروضٌ عليها شاءت أم أبت؛ فان أبت فهي ليست إلا ضالةً او منحلة, وهنالك طبعاً من يراقبها إن لم تفعل ليمارس (حقهُ) في توجيهها و تأديبها!!
لم أرَ في هاتين الفتاتين و ما يقاسينهُ حالةً تُذكر أو مسألهً فردية بل هي قضيةٌ شعوبٍ كُتبَ عليها أن تُقاسي و تُضطهد بإسم الدين , شعوبٌ كان قدرها أن تختار بين أمرين أحلاهما مر؛ إما أن تُذل أو تتهم بالكفر فتعدم ! شعوبٌ سُلِطت أهواءُ البعض على رقابها كالسيوف متى ما حاولت أن تحيد عنها كان الثمنُ قطعُ تلك الرقاب؛ شعوبٌ لم تجدْ ما يسعفها فحتى باب الله يحاول البعضُ أن يقف عند مدخله ليغلقهُ في وجوههم فلا يكونُ لهم مفرٌ مما قررتهُ أهوائهُ و رغباتهُ التي يقودها التعنت الأعمى و الفهم الخاطيء قبل أي شيءٍ آخر.
وأنا أتأسى لما تقاسيه هاتين الفتاتين وكل بنات جنسهما في تلك البلدان اتصلت ب(نونو الذهبية) وهذا هو أسم شهرتها او دلعها فيما بيننا؛ كان التعبُ و الإرهاق باديان عليها و الضجر الممزوجُ بالغضب يسودُ تعابيرها القصيرة.
إستفهمتُ عن سبب ما تعانيه فاجابت " ما نمرُ بهِ نوعٌ من الجنون, ولا طاقة لي بتحمله اكثر"
إستفهمتُ عما تقصدهُ فردت قائلةً " لقد قرروا نقل جميع الأطباء الذكور من مستشفانا لأنها مستشفى ولادة و أطفال؛ يقولون أن وجود الذكور في هذه المستشفى غيرُ جائز؛ نحنُ أصلاً نعاني من نقصٍ حاد في عدد الأطباء؛ كلُ ما تبقى في قسم الأطفال أربعُ طبيبات كلهن حديثات التخرج"!!!
حاولتُ أن أُهدئها ممازحاً إياها "هل تحجبتِ أم ليس بعد؟" ردت بضجر" لحد الآن لا و لكن سيفرضونهُ علي قريباً" : بالمناسبة هي ليست مسلمة!!!
جيشُ المهدي يتحكم في مستشفياتنا فيقرر توزيع الأطباء ومن يبقى وما يجوز وما لا يجوز؛ يا لسعدنا وهنانا و يال المستقبل الزاهر الذي ينتظرُ أجيالاً من أبناء شعبي يحكمهم الجنون ويسودهم الأغبياء و الرعناء.
لازال يطاردني ما جرى لإحدى الطبيبات في منطقة القائم عندما قرر الاحرار من ذوي اللحى الطويلة الكثة أن خطيبها خائن فبادروا لذبحهما معاً!!
تعاني تغريد جور الأغبياء من ذوي اللحى الكثة و الدشاديش الطويلة و تقاسي إلهام ظلم ذوي العمائم السوداء؛ أثارت معاناتيهما سخطي وغضبي ؛ بعد وهلةٍ من التفكير أصبحَ الأمرُ يثيرُ قلقي ؛ فاللحى تحكمُ ضفة والعمائمُ السوداء تتحكمُ في ضفةٍ أُخرى , إلا ن كليهما موجودٌ في بلدي و بات يتحكمُ في مناطقه بصورةٍ رسمية و غير رسمية؛ كلاهما يسودر الأرض و يسيرُ شؤون الناس بحسب ما يراهُ متماشياً مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ معروفٌ لم يعهدهُ الناس و منكرٌ لا ينكرهٌ ألا هم.
في ظل هذا الجنون تستصرخُ نساؤنا مطالبين بحريةٍ عهدوها ثم فقدوها؛ عاشوها حين كانوا مغيبين و فقدوها حين احتلوا ربع البرلمان !!! هل يا ترى سنعودُ لزمنِ الجواري و الإماء؟!أم سنعودُ لزمن وأدِ البنات ؟!
صرخاتهم لا تُسمع فهنالك عواء الذئاب ونباحُ الكلاب و فحيحُ الأفاعي في كلِ مكان و ما من ناصرٍ يغيثهم في ظلِ فوضى مفروضة و أحزانٌ سائدة و عمائمُ مهيمنة ولحى تنمو تدريجياً لتغطى كلَ شيء.
للموضوع أبعادٌ أخطر فاليوم يفرضون بعض الشعئر على الناس و يحرمونهم من بعض الحقوق ولكن غداً سنرى ما هو أشدُ و أقسى ؛ سنرى ابنائنا يوهبون لخدمة الإمام و شبابنا يهمون بمهاجمة كل من يعترض على ما يراه الشيخ أو السيد صواباً و هذا هو زيتُ النار الذي سيغذيها لتبقى متوهجةً تلتهمُ أرواح الأبرياء و تحرقُ أفئدة الناس و أكبادهم.
الى متى سنبقى نسكتُ على هذا و كلهُ يتمُ بأسمِ الديمقراطية و تحت مظلةِ الشرعية الدولية , و في ظلِ صمتٍ غريب لأُناسٍ من واجبهم أن يصرخوا مطالبين بأيقاف هكذا مهازل وجرائم؛ منهم واحدٌ لم يفارق غرفتهُ ولم يحرك ساكنا ولا سكن المتحركين أبداً رغمَ أن ظلهُ الوارف هو ما يغطينا!
ليترك اللظى تلتهمُ العراق واهله .................مع ذلك.........دام ظلهُ الوارف علينا و عالخلفونا
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
5 comments:
Dear a&eiraq,
It is true, this nightmare seems like never wants to end!
مرة اخرى: عاشت ايدك و افكارك :)
يعني كل البوست حلو ومتوازن و كنت ساكتب لك انا متفقة وياك تماما
وان المتعصبين جعلونا نضجر من ديننا اذا كان ما يدعونا اليه هو تعاليم ديننا
بس طبعا انتة ما قدرت باخر سطر الا انك تصفعنا
Marsho
Thanks a lot for your words; it's really a nightmare.
Allah Kereem
Tara
يا رب ان شاء الله تنكسر ايد الي يفكر يصفعك.
بس لا ننسى (كلكم راعٍ و كلكم مسؤولٌ عن رعيته)
مع ذلك ؛انا احترم رأيك سواء اتفقتي معي أم إختلفتي
تحياتي و دمتي سالمة
أحم.. احم
عيــــــد سعيــــــــــــــــد
وفعلا انا اوقات اقعد افكر واقول يمكن يجي يوم ما يخلون البنات يغوحون على الكليه. احتمال وارد بس خلي نبعد التشاؤوم ونتحلى بالامل .وعذرا على مصلاويتي القح
h.n.k
عيد سعيد
احاول اتحلى بالأمل
الله يستر ....الله يستر
مصلاويتك كلش حلوة بس تذكرني بالكبة و تخليني اتحسر
Post a Comment