Wednesday 18 April 2007

الجامعة الموسوية

مادة الفيزياء الطبية واحدة من المواد السهلة نسبياً التي تُدَرَس لطلابِ المرحلة الأولى في كليات الطب , كان الأُستاذ المادة عاجزاً تماماًعن ضبط قاعةِالدرس والمحاضرات كانت مهازل من كثرةِ التعليقات وعدم الإلتزام من جانب الطلبة لضعف ذلك الأُستاذوعدم قدرته على إقناع الطلبة بالإلتزام .

أنهينا المرحلة الأولى ولم يواجه أحد صعوبة حقيقة مع تلك المادة ونسيناها بمرور الأيام وكبرنا وصارت لنا أحلام, أحلامٌ بريئة بمستقبلٍ مشرق , أحلامٌ سرعان ما تلاشت بسبب الظروف التي عشناها وما زلنا نعيشُها.

تفاجأت بعد سقوط بغداد بمسيرة حاشدة ضد عميد الكلية ليس لأنه كان بعثي ولا لتقاريرٍ كان يكتبها لإيذاء الطلبةولكن لأنهُ كان نظامي ولا يتساهل و يحاسب على الزي الموحد والغياب وغيرها من المسائل , المهم تلك الفترة كانت فترة التعبير عن الرأي والكل كان له الحق في إظهار مشاعره بحريه , العجيب في المسيرة أن منظميها الذي كانوا يهتفون (نعم ..نعم للحوزة) و (ما نقبل بالبعثية) وغيرها وتهجمات على شخص الرجل الذي كان محبوساً بغرفته ويخاف الخروجَ منها , لقد سبقَ لي أن رأيتُ هؤلاء الهاتفين بأُم عيني وهم يهتفون للقائد الضرورة بالمسيرات (ياصدام سير سير وإحنا جنودك للتحرير ) , الموضوع أثار غضبي وغضب غيري من الطلبة مما أدى الى مواجهة كلامية بين الطرفين.
في اليوم التالي ومحاولةً من رئاسة الجامعة لتهدئة الأوضاع حضر السيد مساعد رئيس الجامعة للتحدث مع الطلبة وحل الأزمة , المفاجئة كانت هائلة عندما رأيت مساعد رئيس الجامعة "اليس هذا .... أستاذ الفيزياء الطبية الذي كان يدرسنا في المرحلة الأولى وكان (مضحكة)للجميع؟!!"

إتضح أن الأخ أصبح الآن موسوياً وتغير إسمهُ من الأسم الثلاثي الذي كنت أقرأهُ كل يوم عند مروري من أمام غرفته الى أسم مع لقب(الموسوي).المهم الأخ هدأ الوضع ببعض الكلمات التي لا تنفع شيئاً وتم تغيير العميد(رحمهُ الله) بعد فترة قصيرة ,ودارت عجلة الحياة ولكن مع تغييرات تدريجية:

بدأت مظاهر جديدة تظهر في جامعتنا ؛عمائم بيضاء وسوداء , دروس دينية ومسابقات ومنشورات لكلتا الطائفتين وتراشق بالإتهامات من كل طرف للأخر, بعد فترة وجيزة الأستاذ مساعد رئيس الجامعة أصبح رئيساً للجامعة وذلك لكفائته العالية وإمكانياته اللا محدودة , المهم الموسوي عرف من أين تؤكل الكتف, الطلاب الأشراف من أتباع الحوزة وغير الحوزة حولوا حياتنا الى مأتم دائمي وبموافقة من السيد رئيس الجامعة وبالمقابل يضمن رئيس الجامعة ديمومته في المنصب, أعلام سوداء وقطع سوداء وغيرها من المسائل التي تمتاز بالألوان الغامقة الحزينة وكأنما الجامعة حسينية وليس مكان للتدريس .

طبعاً الأحتفالات حرام والذي يفكر بجلب فرقة موسيقية أو بتشغيل أغاني يواجه تهديد صريح(إحنا ما مسؤولين عن سلامتكم إذا سويتوها) والسيد رئيس الجامعة في عالم آخر مشغول بمسائل أُخرى ويتبجح بنجاحات لم نلمُس منها شيئاً ولا يجرؤ أحد بالتعرض له أذ أن جيش المهدي وحزب الدعوة وغيرها من الفئات على أُهبة الأستعداد للدفاع عنه .

لقد حاول الدكتور (سامي المظفر) وزير التعليم السابق عزل الموسوي فكانت النتيجة مظاهرات وتوجيه الشتائم والسباب وتهديد لرئيس الجامعة البديل في حال تسلمه المنصب او دخوله الحرم الجامعي(هذه من علامات الديمقراطية)كما أعلن البعض أن هذا المرشح الجديد صدامي وساهم في تحضير أسلحمة كيمياوية ليقوم صدام بأستخدامها في قتل العراقيين!! وبالتالي إستمر الموسوي في منصبه مدعوماً من حوزاتنا الناطقة والخرساء .

قبل فترة وفي إجتماع مجلس وزارة التعليم العالي والبحث العلمي طالب وزير التعليم الجديد(عبد ذياب العجيلي) بإتخاذ أقصى مايمكن من اجراءات السلامة وتوخي الحذر لأن الجامعات ممكن أن تتعرض الى هجمات إرهابية , قفز الموسوي من كرسيه صائحاً ( انا محد يكدر يهدد جامعتي وما ممكن أن نتعرض لأي خطر , ينتقدنا البعض لوجود أعلام سوداء , هذي الأعلام السوداء هي تحمينا ) لم يتأخر الرد فقد تمت مهاجمة الجامعة عدة مرات وسقط العشرات وغُسِلت الجامعة بدماء الأبرياء والموسوي في منصبه.

لن يجرؤ أحد على محاسبة الموسوي رغم كثرة الأدلة على حقيقة التهم المنسوبة اليه فقد تعرض الوزير الحالي عند زيارته للجامعة الى تهجم من قبل متظاهرين لم يتوانوا في توجيه ما يمكن توجيهه من الشتائم وسواها.

لقد كان صدام مجرماً ودموياً ومتهماً بالطائفية والعنصرية وكل ما في الدنيا من تهم وكانت وزارة التعليم العالي في زمن صدام تعرف ب(وزارة التعليم العاني والبحث الهيتي أو البحث الراوي) ولكن هل كان يمكن لشخص مثل الموسوي ان يستمر في منصبه في زمن صدام (المجرم)؟ هل كان يُمكن لمجموعة من الطلاب حتى لو كانوا عناصر حزب البعث ان يتعرضوا لأحد الوزراء ولو برفع الصوت , انا لست أدافع عن الوزراء ولكن أليس هنالك حرمة للجامعات وتقديس للصروح العلمية؟ أليس هنالك حود للأدب و للذوق العام؟.

من واجبي هنا أن أتقدم بالشكر والتقدير للحوزة الشريفة وكل المرجعيات الدينية على إختلاف إنتماءاتها لأثباتها أن الأسلام دين التسامح وإبتعادها عن شكل من أشكال العنصرية إذ أنها لا تتوانى في دعم أي مسؤول لأسبابٍ طائفية مقيتة ولأنها تبذل كل ما تستطيع لإعادة أعمار العراقي بأسلوب حضاري مذهل.

أنا هنا أتقدم بالشكر الى طلاب الجامعات والذين هم بناة الوطن إذ أنهم أرتضوا أن يكونوا سلاحاً بيد الموسوي وسواه لنهش الوطن ظانين أنهم يدافعون عن دينهم بهذا الأسلوب أو راغبين بسلطةٍ سخيفة يضرون بها من يعارضهم
.
أنا هنا أتقدم بالشكر للحزب الأسلامي العراقي الذي يخلوا من أي كفآءة لشغل منصب وزير التعليم فأضطر لجلب وزير من البحرين لم يعمل يوماً في التعليم العالي العراقي قبل أن يصبح وزيراً , هم طبعاً ليسوا الوحيدين في ذلك فلكل حزبٍ حصة والوزارة التي يشغلها حق من حقوقه كما لو كانت إرثاً ورثهُ أو لربما أنهم يظنون أن هذه الوزارات لم تكن موجودة أصلاً لو ظهورهم البهي في حياة العراقيين الذينلم تراعَ مطالبهم ولم يتم التفكير بما يحتاجون فهاهوصولاغ قد شغل ثلاث وزارات مختلفة خلال أربع سنوات وذلك لكفائته في مجالات المالية والداخلية والإسكان والتعميروها هي وزارة الخارجية توشك على إرتداء السروال بعد أن أصبحت كردية قبل أي شيءٍ آخرمع العلم أن الأُخوة الاكراد يمتلكون مراكز ثقافية في كثير من الدول تمثلهم نيابةً عن وزارة الخارجية وذلك لقوة إرتباطهم بالعراق .

أنا هنا أتقدم بالشكر الى الدكتور الموسوي لجهوده في تحويل جامعتي الى هدف لكل مختلٍ عقلياً ليقتُل من فيها متوهماً أن مصيرهُ جنات الخلد.

أنا هنا أتأسى على التعليم العالي في العراق , لقد تحولت صروحنا العلمية وبفضل الديمقراطية الى منابر لكل من يحلو لهُ إطلاق الخطب الرنانة التي تفيض بالطائفية والرجعية والتخلف , لقد تحولت الجامعات الى مرتع لكل مريضٍ عقلي يحاولُ إثبات وجوده وفرضِ ما يريد بالعنف والتهديد بفضل ديمقراطية عمائم الزمن الأسود.

انا أتأسى على كلِ أُمٍ و أب يقضون عمرهم بحلم إدخال أبنائهم للجامعات , يبذلون الغالي والنفيس ويضحون براحتهم ويواجهون ضغوطاً هائلة لينتهي المطاف بأبنائهم في مدارس العنف والطائفية , لينالوا موتاً سريعاً أو عقلاً مريضاً أو حياةً بائسة لا مظهر للفرح فيها أذ أنهُ من المحرمات .

أنا هنا أذرفُ دموعي وحيداً على مكانٍ كان يوماً يرمزُ للعلم والمحبة ليُضحي وقد إرتبط إسمُهُ بكلِ علامات الحزن والألم والخوف , على حلمٍ تضاءل ليحلَ محلَهُ كابوسٌ مرعب وعلى أمل يتلاشى تدريجياً في رؤية وطني مبتسماً خصوصاً بعد أن ملأت الجراحُ جسدَه ولم تترك الهمجيةُ مكاناً الا وأوغرت فيه خناجرَ حقدها الأعمى.

ينتقدني الكثيرون على أرائي المتشائمة قائلين أن جلَ الأمر هو أننا نمرُ بمرحلةٍ إنتقالية , أتمنى أن يكونوا مصيبين في رأيهم : أتمنى أن تكون هذه المرحلة إنتقالية من ديكتاتورية الى ديمقراطية وليس من ديكتاورية الى أُخرى.

2 comments:

Marshmallow26 said...

A&Eiraqi,

God respites and not forgets.

Regards

MixMax said...

you already said it at the end of another brilliant post, my friend, you said: transition from a dictatorship to another... this is what really happened in Iraq, the proof, is that al musawy who replaced al tikriti and others.