Monday, 12 November 2007

يومَ إفترقنا

ها هو الزمنُ قد مضي و ها هي الأشهرُ مرت, مرت ثقيلةً جداً, مرت مع كمٍ مهولٍ من المعاناة ولكنني صابرتُ و تحملتُ لأقطف الثمرة, لم أعلم أن لا ثمارَ تنتظرني؛ لم أكن أدري ان نهايتي ستكون من حيثُ بدأت.
بدأ الحلمُ يتملكني و انا صبي؛ سأصبحُ طبيباً يوماً ما؛ سأرحلُ بعيداً يوماً ما, كباقي الصبيةِ كنتُ أحلم؛ و لربما أكثرُ منهم, فلطالما جلستُ وحيداً منعزلاً أتأمل, أتأملُ في حلمٍ ينمو كشجرة, ليورقَ و تمتدُ فروعهُ الى أبعدِ حد, حلمُ الطفولةِ صاحبني و أنا أكبُر, تغيرت ملاحمهُ بقدر ما تغيرت ملامحي, شبَ معي, احبَ معي, يجتاحهُ الحزنُ حين أحزن و يوردُ زهوراً حين أفرح, حلمُ الطفولةِ صار خليلي و صديقي.

كنتُ أخبر الناسَ عنه, بعضهم كان يبتسم و بعضهم كان يسخر و بعضهم ملَ سماعه, لكنني لم أكترث, فهو حلمي مهما حصل.
لا أستطيعُ أن أنسى ذلك الشعور الذي كان ينتابني كلما سمعتُ عن أحدهم دخل كلية الطب, كلما مررتُ من أمامها وكلما سمعتُ إسمها.
كنتُ أرمقُهم بنظرةٍ خاصة, نظرةٌ ملؤها الأعجاب, الإنبهار و لربما الهيام.
مرت الأيام؛ أقترب يوم دخولها؛ أذكر كيف أنني مشيتُ وحيداً يوم ظهور نتيجة القبول, نظرتُ الى السماء وقلتُ في نفسي: ها قد إبتدأ المشوار, ها هو الحلمُ بات حقيقة, ها أنا ذا أوشكُ على أن أخطو الخطوةَ الاولى في طريقِ الألف ميل.
و إبتدأ المشوار؛ ومضيتُ في حلمي, لم أتحمل أن أنتظر ستَ سنواتٍ لأُصبح طبيباً, الرغبةُ كانت تتملكني, رغبةٌ جامحةٌ في أن أحظى بذلك الشعور؛ قفزتُ الى وحدةِ الطواريء بعد أن أنهيتُ عامي الأول؛ أردتُ أن أتعلم ما يمكنُ تعلمه, أردتُ أن أبني نفسي تدريجياً.
كنتُ محط أعجاب البعض و محط إستغراب الآخرين, مضيتُ في طريقي غير آبهٍ بشيءٍ إلا حلمي, أثبتُ نفسي بين الآخرين حتى أضحيتُ مميزاً بما لدي من قدرات.

كان الحلمُ يكبر و يخبرني أنهُ يحتاجُ مني جهداً أكبر و تحملاً أكثر, لم أمانع على الأطلاق, جعلتهُ من أولى أولوياتي و لم يكن لدي مانعٌ في أن أتحمل لأجلهِ.
و جأت ساعةُ الرحيل, فارقتُ الجميع و تركتُ الأحبةَ كلهمُ الا حلمي العزيز, هو الوحيدُ الذي رافقني في غربتي, رحلتُ معهُ و لأجلهِ.
و هنا؛ للحلمِ متطلباتٌ أصعب, فالمنافسةُ حادة و الطريقُ وعرة, ولكن صورتهُ كانت دائماً أمامي؛ تقويني حين أضعف, تشدُ من أزري حين أتعب, تذكرني أن ما أطمحُ أليه أبعدُ بكثير من الصخور التي أراها أمامي سادةً طريقي.

لأجلهِ تحملتُ كلَ شيءٍ, حملتُ كتبي و مشيتُ أقرأُ في الشوارع و في الحدائقِ و الساحات, البعضُ نظر الي بإستغراب و ظن الآخرون أنني مجنون, حشرتُ نفسي في المستشفيات, درستُ حالة كلِ مريضٍ رأيتهُ, شاركتُ في كلِ حالةٍ أراها, جلستُ في عياداتٍ مختلفة و أقسامٍ مختلفة.
تأنقتُ و أرتديتُ ربطةَ العنق, بذلتُ كلَ جهدي لأحسنَ من لغتي قدر المستطاع, تحملتُ التوبيخ رغبةً في التعلُم, تحملتُ تجاهلَ الآخرين على أملِ الوصولِ يوماً الى مرادي, على أملِ أن أُثبتَ للكون حقيقةً خافيةً هي أنني (طبيب)؛ أردتُ و لو لمرةٍ واحدةٍ أن أُحس أنني طبيبٌ بحق, رغم أنني أملك الشهادة و رغم أني أقضي طوال الوقت في المستشفيات و رغم أنني أحملُ اللقب إلا أن كل شيءٍ يعدُ غير رسمي, أنا دوماً (دكتور) مع وقف التنفيذ.

في بلاد الغربة الباردة, يمرُ الشتاءُ الثاني عليَ الآن, البرد و الظلام يزدادان شيئاً فشيئاً, الوحدةُ تأكلني حتى أضحيتُ كالهيكلِ العظمي, بلا روح بلا طعم بلا قدرةٍ على الإبتسامة.

اليوم؛ وبعد عامٍ و نصفٍ من التحمل, بعد مشوارٍ طويلٍ من المعاناة و الأمل و التسليم بالأمر الواقع و تكرار طلب المال من أهلي حتى أضحيتُ أخجلُ من نفسي, بعدَ أن أصبحتُ لا أحد و بعد أن بدأت تساورني الشكوك حتى في كرامتي و عزةُ نفسي, بعد أن أصبح الكثيرون يعاملونني بنوعٍ من الشفقة, ينظرون الي نظراتٍ حنونة تمزقني و تشعرني بالضعف, بعد أن حاول الكثيرون أن يمدوا أيديهم لمساعدتي؛ و أنا أشعرُ بأن كلَ يدٍ تمتد تطعنني في كبريائي, بعد دعواتِ أُمي و أبي الذين أنفقا الغالي و النفيس على ولدهما الوحيد ليريانه يحققُ ما كانا يحلمان لهُ ؛ اليوم و بعد هذا كله:
فارقني حلمي, أعلنَ لي أن لا أمل لي في طريقي, اليوم أغلقت الأبوابُ في وجهي و أُخبِرتُ ان لا أمل لي في أن أُواصل, من حقي أن أستمر في المحاولة و لكنها ستكونُ عبثاً مني لا أكثر, اليومُ أدركتُ ان لا غدَ مشرق و حتى لو أشرق الغد فهو ليس الغدُ الذي إنتظرته بل غدٌ آخر؛ اليوم طلبَ حلمي أن أنساه ولا أفكر فيه كما لو كان نزوةً عابرة لا حلم أمل السنين و حلم العمر كله.
اليومَ أموتُ في كل لحظة؛ أتقلبُ في فراشي كمن يتقلبُ على الجمر, حلمي ليس بجواري, أمشي فلا يمشي الى جانبي, أبكي فلا يربتُ على كتفي , أدور في المنزل فلا أراهُ مختبئاً في مكانٍ ما , أُناديهِ فلا يردُ علي, أتلفتُ في جميعِ الإتجاهات فلا أجدهُ في أي مكان, أسألُ الآخرين فلا يدلونني عليه, لا يعرفون أين هو, أين ذهب؟ لمَ لمْ يودعني؟ لمَ لمْ يحذرني؟ لم تركني أشقُ كلَ هذا الطريق؟ لمْ يوضح شيئاً!

جلستُ لوحدي , أغلقتُ بابي و أردتُ أن أبكي, فكرتُ للحظة؛ وهل يجدي البكاء؟ ما مات قد مات و ما زال حياً يجبُ أن يموت.
نظرتُ الى السماء؛ ناشدتُ ربي
(يارب؛ أنت تعرفني أكثر مما أعرف نفسي
, رحماك بي فلا طاقة لي بهذا
يا رب:
أنا أضعفُ من هذا بكثير
لا طاقةَ لي به
يا رب لا تؤاخذني و لكن
إن كان هذا مصيري
و هذا حتفي
فخذني اليك
لن تكون الحياةُ أرأفَ منك
لن يكون البشرُ أرحم منك
لن يكون أحدٌ أكرمُ منك
يا رب: إن الأبوابَ قد أُغلقت
و المعاناةُ قد إشتدت
و لا زادَ لي و لا صاحب
و لا رغبةَ عندي و لا قوة
أنقلني الى جوارك
أعلم أن ما أقولُ غبي
و لكنك تعلمُ ما في نفسي
لستُ أطهر من العذراء التي قالت
ياليتني متُ قبل هذا و كنتُ نسياً منسيا
ياليتني متُ قبل هذا و كنتُ نسياً منسيا)

1 comment:

Anonymous said...

hela!
wow ..very motivational ..
yup , britian will give no jobs to the poor iraqis ..infact it never did ! people go there to take a degree and only the ones who have relations can got himself a job ..you try search the web for higher degree studies for iraqis ..they are lots in US , Austuralia , Holand ( yet u study in english) ..and remember if apportunity didn't knock build a door !!!

I didn't want to be passionate ..Always look for solutions and think big ...