Tuesday 20 March 2007

عن الإيمان

" أستغفرُ الله يا أُم فوازبس بدأ إيماني يتزعزع "
كانت هذه هي كلمات الخالة ميسون وهي تحاور أم فواز في فاتحة المرحوم حيدر , لم تستطع الخالة ميسون أن تتحمل فقد ذاك الشاب الدائم الإبتسامه وصعبَ عليها مواجهة واقع مقتل عشرات الشباب يوميا" , يبدو أن هذا فوق طاقة البشر بكثير .
كلمات الخالة ميسون دقت عندي ناقوس الخطر في أخر إسبوع لي في العراق , شعرتُ بأن هنالك الكثيرون ممن بدأتهم تساورهم نفسُ الأفكار ولكنهم يحاولون كتمها أو مقاومتها ولربما أن هنالك الكثيرين ممن فقدوا الأيمان تماما".

موضوع الإيمان والإلحاد موضوع شائك يعتمد في أساسه على منطق كلٌ منَا وفلسفتهِ للأمور.
علينا في باديء الأمر أن نُقر أنهُ ليس من السهل على الإنسان التسليم بواقع وجود خالق واحد لهذا الكون على إمتداده , الهٌ واحد بدأ الخلق ويوزع الأرزاق ويحدد الأنساب ويكتبُ القدَر ومن ثم يبعثُ البشر بعد موتهم.
إن كل ما يمتلكهُ البشر هو العقل والقدرة على القياس والإستنباط معتمدين على ما يرون أو يحسون وليس من السهل على العقل البشري ووسائل القياس البشرية أن تتخيل الله(سبحانه وتعالى) بسعة ملكه وقدرته على كل شيء.
إن خير دليل على صعوبة هذا الأمر هو مطلب نبيُ الله إبراهيم(ع) من ربهِ أن يريه كيف يحيي الموتى وطلبُ موسى (ع) أن يرى الله جهرةً ! كلتا الحالتين تؤكِد نزعة الشك داخل الإنسان حتى لو كان نبيا" قد حدث الله (جل وعلى).


إن الإقرار بواقع صعوبة تقبُل فكرة الإيمان لا يبرر عدم الإيمان فدلائل وجود الله (سبحانهُ وتعالى) كثيرة ومذكورة ولكن في مناقشتنا لهذا الأمر يجب أن لا نتعامل معهُ على أنه من الأمور المسلم بها لأن هذا لن يضيق مجال النقاش ولربما يغلقُ الموضوع من أساسه .

حاولت أن أجمع اراء من أعرفهم, يرى البعض أن الموضوع مرتبط بتربية الإنسان والبيئة التي ينشأ فيها ومدى تقبل هذه البيئة لروحانيات والإيمان بالغيب والمجهول .
لاحظتُ أن البعض يؤمن بالله من دون معرفة السبب ؛أي أنهم يؤمنون بأن هنالك الهٌ واحدٌ ويتبعون كل ما يأمرهم به ولكنهم لا يمتلكون تفسيرا" لهذا الإيمان ولا منطقا" يثبتُ لهم وجود هذا الخالق.

أكثرُ ما أعجبني هو فلسفة طبيب باكستاني رغم ان السؤال عن سبب إيمانه كان مدهشا" لهُ في البداية إلا أنه إستجمع ما يعرف ليقول (إذا قلنا أن شجرةً قطَعت نفسها بنفسها ثم ترتبت على شكل زورق ومشت في الشارع حتى وصلت النهر ثم دخلت الماء وأنطلقت بلا أن يسيرها أحد ,لقال الناسُ عنَا مجانين , فكيف يريدونني ان أصدق أن هذا الكون كلهُ يسير بلا أن يديرهُ أحد؟!!).
ربطتُ كلامهُ بقولٍ عربي مأثور (البعرةُ تدلُ على البعير والأثرُ يدلُ على المسير فالسماوات والأرض وما بينهما يدلان على اللطيف الخبير ) , رغم بساطة هذا الكلام الا أن فيه حكمة بالغة , تمتاز النفس البشرية بنازع البحث عن المُسبِب دائما" ولا يقتنع البشر في كثير من الأُمور الا بعد معرفة السبب, وإستناداً الى هذا لا بد من وجود سبب أو قوة وراء بناء هذا الكون وتنظيمه ولا يعقلُ أنهُ جاء من فراغ ولا مسبب ورائهُ.

من الممكن التسليم بأن الريح والأعاصير والعوامل البيئية والمناخية وما الى ذلك قادرعلى إحداث تغييرات هائلة ولكن ليس تشكيل الأشياء بدقة متناهية وجعلها تسير بنظام لا تحيدُ عنه أبدا".


إذا أردنا الإستمرار مع دلائل وجود خالق فلربما سنجد في القرآن العديد من الدلائل ( وقد أخترت القرآن لأنه أخرالكتب السماوية ولا ينكر أحد حقيقة ظهور الرسول محمد(ص) بغض النظر عن تصديقه أم لا).

إن من أبرز تلك الدلائل هو تحدي الله للمشككين بوجوه أن يأتوا بعشرَ سورٍ تظاهي أمكانيات القرآن البلاغية فلم يستطع أحدٌ على المجيء ولو بسورة واحدة . مما يذكرُ أيضا" هو موضوع تبديل جلود المعذبين بالنار بعد أن تحترق تماما" وهو ما أُثبت علميا" بعد قرون عديدة بأن نهايات الأعصاب الحسية تتمركز في الجلد وأن الجلد المحترق تماماً لا يحسُ بالألم , وهنالك المزيد من هذه المسائل التي أُثبتت علميا" فيما بعد .


لربما أن واحدا" من أخطاء البشر على أختلافهم ملحدين ومؤمنين هو عدم تمكن عقلياتهم من التعامل مع فكرة الخالق وإصرارهم على قياس الأمور بما لديهم من أمكانيات .

بالنسبة للملحدين : هم يطالبون إما برؤية الله أو بتطبيق الله لما يرونهُ هم صوابا" , هذا يعودُ بنا الى بداية القضية وموضوع ما يجري في العراق , يرى الكثير من غير المؤمنين أنه من غير المنطقي وجود اله يتغاضى عن الظلم والقتل الذي يجري في العراق , اتذكرُ جيدا" أحد سائقي التكسيات في بغداد وهويكرر سؤالي عن تفسيري لما يجري ,كررتُ إجابة ( إنهُ إختبار من الله ) اكثر من مرة وكنت ابدل كلمة إختبار ب(إبتلاء) أو (إمتحان) ويبدو أن رأيي لم يكن كافيا" لإقناع الرجل الذي نفذَ صبرهُ فرد علي( بلا زحمة إذا هو إمتحان ما تعرف شوكت تطلع النتائج؟!) , كان رد السائق كافيا" لإبقائي صامتاً لما تبقى من الطريق .

تكمن المشكلة وكما ذكرت في محاولة البشر مقارنة الخالق بهم وهذا يتناقض مع منطق وجود خالق , أي إذا كان هنالك خالقٌ لهذا الكون فأنهُ خالق البشر جميعا" على مر العصور , فمن غير المنطقي مقارنة عقلهُ بعقول البشر , عقول البشر تنمو وتتطور تدريجيا" والمعلومات فيها تراكمية وطاقاتها الإستيعابية محدودة رغم وسعها وهذا لا ينطبق على الله (تعالى).
أي لو ان أحدنا ذهب بما لدينا اليوم من وسائل تكنلوجية الى القرن الثالث أو السابع الميلادي لكان ما لديه فوق طاقة البشر ولعدوه الها" لقدرته على التحدث مع الجماد ولإستجابة الحديد لأوامره !ولكننا نعدها إمكانيات عادية في يومنا هذاونسعى لإنجازات أعظم يعدها من يأتي بعدنا عادية .

علينا كبشر أن نقر بأن لدينا قدرات هائلة ولكنها تبقى محدودة فنحن مازلنا عاجزين عن رؤية نصف جسدنا ورغم كل ما نملك من إمكانيات فان عقولنا تفقد قابلياتها تدريجيا" بعد فترة زمنية معينة ,فمن غير المنطقي بعد هذا كله أن نقارن الخالق بنا ونقيس الأمور لمتعلقه به بما لدينا من وسائل قياس بسيطة .

إن هذا الكلام لا ينسحب على منكري وجود اله لهذا الكون فحسب بل على المؤمنين بهِ أيضا" , إنهُ لمن العجيب أن نرى تناقضا" عند المؤمنين بخصوص هذه المسألة , بالتأكيد أن علينا أن نأخذ بنظر الأعتبار أن كثيرا" من الناس يؤمن بالله لمجرد انه ولدَ مؤمنا" وهذا ما تعلمهُ في حياته , ولكن هنالك الكثيرون من المؤمنين ممن تناسوا ان هنالك الها" لهذا الكون فنصبوا أنفسهم الهةً يقاضون الناس ويحاسبونهم لا بل ويوزعونهم بين الجنةِ والنار!!!
لا يمكن القبول بهذا الإسلوب على الإطلاق لأن فيه تجاوز على الله وظلم للبشر في نفس الوقت , إذ لا يمكن للبشر أن يمتلكوا عدالة الله ولا رحمته وبالتالي حكمهم سيكون خاطئا" .

على كلِ من يرى انهُ مؤمن أن يضع نصبَ عينيه ضعف النفس البشرية عند تعرضها للضغوط , إن الوصول الى مرحلة الإيمان الراسخ ليس سهل وحتى لو وصل الإنسان الى هذه المرحلة فإن إثباتها يبقى غيبيا" لا نراه .

هنالك منطقٌ آخر يتبعهُ مؤمنون و مشككون على حدٍ سواء وهذا المنطق يقوم على التعامل مع إحتمالية وجود خالق , وهم يؤدون العبادات على إفتراض الوجود فأن لم يكن هنالك خالق فلن يضاروا بشيء وإن كان هنالك خالق فهم قد تعبدوا له , تختصر الغالية (فرشته) هذا المنطق ب( هو فاكس نبعثهُ عسى ان يستلمهُ أحد) , أخبرتها ان ترسل فاكسها لأن الاله الذي أؤمن بوجوده قد وسعت رحمتهُ كل شيءوفاقت كل شيءٍ حتى عدله وليس من حق أحدٍ من البشر أن يحتلَ مكانه أو يحكم على عبيده.

3 comments:

Bassam Sebti said...

عندي صديق كلما اقللة الله كريم, يكللي الله لو كريم خللي يصير عادل اول شي. طبعا اني ماوافقة الرأي بس هو ايمانه تقريبا انعدم وكل مرة صار يكول الله لو عادل ميسوي اللي ديصير بينة و يخلي غير ناس بغير دولة مثلا عايشين احسن عيشة

Little Penguin said...

آني أوافقك الرأي.. العقيدة غير متوارثة.. ما يرثه الأبناء من آبائهم هي طريقة الحياة.. فالصلاة و الصيام و قراءة القرآن و سائر العبادات يمكن لها أن تمارس ظاهرياً من دون أن يكون لها أساسٌ عقائديٌ قوي ترتكز عليه

أما بالنسبة لعدالة الله سبحانه و تعالى فمن الطبيعي أن يتعدى الكثيرون على قدسية الاله و كيفية انتقائه لعباده المخلصين..(هل يستوي الذين يؤمنون و الذين لا يؤمنون -- ما لكم كيف تحكمون)

بعد أن ثبتت حقيقة الوجود، التي تعتبر محور العقيدة الاسلامية، يتحتم علينا البحث في عدالته و انصافه في الخلق و الابتلاء و الثواب و العقاب.. آخذين بعين الاعتبار حرمة الباري جل و علا و قدسيته التي تفوق كل شيء... أما من يزعم بأنه يؤمن بوجود الله مطالباً اياه بادارة شؤون الخليقة بشكل أكثر انسانيةً - فعليه أن يراجع مدى ايمانه بالله سبحانه و تعالى.. فالله أعلى من أن يُنتقد أو يحاكم.. طبعاً تعود هذه المسألة الى ما ذكر آنفاً في أهمية اثبات الوجود، مدى السيطرة التي يمتلكها الخالق على الخلق و ما الى ذلك..

الموضوع عميق و يرادله تعب.. بس ان شاء الله جناب الدكتور ميقصر.. و مأجور ان شاء الله

3eeraqimedic said...
This comment has been removed by the author.